حادثة بسيطة أذكرها مذ كنت في سن العاشرة ولا أنساها أبداً، كنت ماراً في طريق مؤدي إلى رأس النبع بمحاذاة النهر، أحمل الخبز الذي أوصتني أمي أن أحضره لها من الفرن، والصغير على عادته يسير وهو ينظر يمنة ويسرة، يستكشف ما حوله بعين نافذة، رأيت أبا أحمد أمامي يسوق نعجتين من نعاجه.
أبو أحمد هذا يعرفه كل أبناء الحي فهو يبيع حليبه دائما في حيّنا، لازالت صورته أمامي وهو يحمل مكياله، ويعلق بعصا مربوط طرفيها بحبل قصير سطلين من الحليب، كنا عندما نسترق السمع إلى حديث رجال الحي نسمعهم يتندرون بحبه لقطيعه وعلاقته الحميمة بأفراد القطيع، الرجال يرون قطيعه مجرد مجموعة من البهائم، أما أبو أحمد فيرى قطيعه مجموعة من الأحاسيس فهو يعرف تماماً طبع كل نعجة وكل كبش ولكل منها اسمه ولكل كبش قصة شعر معينة، وهو إذ يرعى تسمعه يخاطب قطيعه كما يخاطب الأب أبناءه، وكنا نراه في الصيف أحيانا ينام تحت جرف النهر وقت الظهيرة ويتحلّق حوله القطيع كما يتحلق الأبناء حول أمهم … محبته لقطيعه اكتسبها منذ طفولته حين كان يسرح فيه مع أبيه.
رأيته في الطريق يلبس سرواله الفضفاض (شروال) ويضع على رأسه حطاطة مثبتة برباط اسود يسمى البريم.
صادفه في الطريق أبو نديم فألقى عليه السلام ثم بادره بالسؤال مستغربا ؟!
إلى أين تذهب بنعجتيك؟
– أبو أحمد: إلى سوق الدواب لأبيعهما.
أبو نديم: عجيب !! أبو أحمد يبيع نعاجه (شوصاير بها الدنيا) أين حبك لقطيعك، ثم إذا اضطررت للبيع طلباً للمال فعليك أن تبيع الطلي وعلى أبعد تقدير البالغين من الذكور أما أن تبيع نعجة منتجة للحليب فهذا أمر غريب!
– أبو أحمد: بالله يا أبو نديم لست بحاجة للمال والحمد لله.
أبو نديم: إذن لمَ تبيع نعجتيك؟
أبو أحمد: لمَ ابيع النعجتين !! -بحسرة- أما هذه النعجة (وأشار إلى نعجة سوداء الصوف بيضاء العنق) فلونها مختلف عن لون القطيع وأنا أحب أن يكون قطيعي متجانس الألوان.
– وأما النعجة الأخرى فطبعها مخالف لطبع القطيع يرعى القطيع في الشرق فترعى هي في الغرب يذهب القطيع للسقاية، فتذهب للقيلولة، يرعى القطيع من أعشاب الأرض فترعى مما زرع الفلاحون، دائما متفردة، فهي صيد سهل للذئب وللصوص لذا لا أريدها في قطيعي.